الخميس، ٢٣ آذار ٢٠٠٦

النص الكامل لكلمة الحركة

طالباتنا وطلابنا الأعزاء،
نلتقى هنا اليوم عشية الذكرى الواحدة والثلاثين ليوم الأرض الخالد؛ هذا اليوم المفصلي في تاريخ شعبنا العربي الفلسطيني، هذه الهبّة الجماهيرية التي شملت، ولأول مرة منذ النكبة والتهجير، كافة قطاعات شعبنا من الناجين من التطهير العرقي عام 1948، ومن الذين يعانون أشرس أنواع الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ 1967، وفي مخيّمات الشتات. وكان هذا أول إضراب عام أعلنته جماهيرنا في الداخل، وقد تحوّل إلى مواجهة شاملة بين آبائنا وأمّهاتنا وبين قوّات جيش الاحتلال وشرطة الحقد العنصري التي عادت لاغتصاب واحتلال قرانا ومدننا. وارتوت أرض فلسطين الحبيبة بدماء الشهداء الطاهرة ودماء الجرحى الزكية، ليَثبُت من جديد انتماؤها العربي الفلسطيني، ولنؤكّد من جديد تمسكنا بها، وعزمنا على إفشال مخططات المصادرة والتشريد والتطهير العرقي. وقد أنجزت هبّة يوم الأرض 1976 التحوّل التاريخي الذي ارتقينا فيه من مجموعة ملاحَقة ومستهدَفة يجرّب العدوّ محو هويتها، إلى جزء حيّ وفعّال من هذا الشعب الفلسطيني الجبار الذى علّم العالم كلّه دروسًا في الصمود والنضال.
تأتي الذكرى الـ-31 ليوم الأرض، والنظام الصهيوني العنصري لا يغيّر من طبعه الحاقد، فلا يمرّ يوم دون أن نسمع عن بيت عربي هُدم، أو عن مسح قرية بأكملها - كما حدث قبل أسبوعين في قرية الطويل في النقب، أو عن شاب عربي قُتل بنيران شرطة إسرائيل فسقط مستشهدًا (وقد قتلت الشرطة بدم بارد وبدون عقاب، أكثر من ثلاثين من أبناء شعبنا داخل الخط الأخضر منذ هبّة القدس والأقصى عام 2000)، أو عن مصادرة جديدة أو زيادة التمييز العنصري أو عن اعتقالات ومحاكم عنجهية تعسّفية ضد المناضلين من أبناء شعبنا، وعن خطوات جديدة من فظائع هذا النظام.
ويأتى يوم الأرض الجديد هذا وجماهيرنا تواجه أصعب التحدّيات، ولكننا نعاني، في ظل الهجمة العنصرية، من أزمة ذاتية؛ أزمة آليات التنظيم والنضال الجماهيري، التي أدّت إلى غياب الرد الجماعي الحازم المناسب في العديد من القضايا. ولا شك أن الإخفاق في إعلان الإضراب العام في يوم الأرض 2007 هو تقصير يعبّر عن أزمة وضعنا النضالي.
وها هو يوم الأرض الخالد، اليوم الوطني الرئيسي على جدول أعمالنا السنوي، يُلزمنا بطرح سؤال أمام أنفسنا، قبل أن يقيّمنا الصديق أو العدو: هل نحن على قدْر المسؤولية، وهل نتغلب على خلافاتنا الحزبية وعلى انشغالاتنا اليومية لكي نخصص هذا اليوم كيوم نضالي يثبّت هويتنا الوطنية؟ وكنا نتمنى حسم هذا الموضوع مرّة وإلى الأبد بإقرار يوم الأرض يومًا وطنيًا شاملاً يتميّز بالإضراب العام وبالأعمال الجماهيرية، ولكن، وللأسف الشديد، وبدل الحسم والوضوح يتعرّض يوم الأرض - حتى يوم الأرض الخالد! - كلّ سنة من جديد، للضغوطات والتساؤلات والتشكيك وحسابات الربح والخسارة.

وأنتم طلابنا وطالباتنا الأعزاء والعزيزات،
ما زال يوم الأرض ينتظركم لتحفظوا فحواه الوطنية النضالية، ولتشاركوا في صياغة مستقبل هذا الشعب وهذه البلاد، فأنتم بنات وأبناء الجيل الجديد لهذا الشعب الصامد، الذين تنتخبون ديموقراطًيا قيادتكم الطلابية، في الوقت الذي ما زالت قياداتنا التقليدية تتكلم عن الإصلاح الديموقراطي في مؤسساتنا الوطنية بدون تقدم يُلحظ.

ها يأتي آذار وشعبنا العربي الفلسطيني مستبشر بزوال كابوس الحرب الأهلية وتشكيل حكومة الوحدة وسدّ الطريق أمام مخطط بوش وكوندوليسة وأولمرت، الذين عملوا ليلاً ونهارًا على إشعال نار الفتنة بين الإخوة بهدف إغراق انتفاضة شعبنا الباسلة في بحر من الدماء. وفي أصعب الظروف، تحت الاحتلال والحصار، جاءت تجربة الانتخابات للسلطة الفلسطينية، وأنجز الشعب الفلسطيني، رغم كل الضغوطات، أكبر إنجاز في تغيير الحكومة ديموقراطيًا، فسبق بذلك العديد من الدول العربية التي "تتمتع" بالاستقلال الشكلي منذ عقود، ولكن ما زالت تخضع للهيمنة الإمبريالية ولاستبداد الحكام المتعاونين معها. هذا الخيار الديموقراطي للشعب الفلسطيني، لا يعني بالأساس تبديل حزب بحزب آخر، أو تغيير شخصية الرئيس أو الوزراء، بل يجسّد تجربة سنين من نضالات الانتفاضتين الأولى والثانية، ويثبت تحوّلاً ديموقراطيًا للنهج السياسي لهذا الشعب المناضل، نهج يرفض اتفاق أوسلو ومنطق "عملية السلام" الأمريكية التي تعتبر النضال ضد الاحتلال "إرهابًا"! وتحرّم المقاومة الفلسطينية! في وقت يستمر فيه الإحتلال بتشريد أهلنا واستيطان أرضنا وتدمير بيوتنا، وإهدار دمنا بالمجازر اليومية، وسلب حرّيتنا بأسر الألوف من المناضلين في معسكرات الموت البطيء.

ومن خلال تحليلها العلمي لعملية الصراع ولطبيعة معسكر الأعداء الإمبريالي – الصهيوني – الرجعي، ومن ضمن موقفها المبدئي الرافض للتعايش مع الاحتلال والعنصرية، وطرحها لحلّ ديموقراطي حقيقي للقضية الفلسطينية، كانت حركة أبناء البلد من أوائل الرافضين لاتفاق أوسلو، بعكس التيار المتوهّم الذي سيطر في التسعينيات على الساحة السياسية. وكانت بعض أحزابنا وقياداتنا في الداخل الفلسطيني، من أول من دعا لاتفاقات من هذا القبيل، مشجّعين قيادة منظمة التحرير على تقديم التنازلات التي تمّت فيما بعد تحت شعار "سلام الشجعان"! ورغم الفشل الذريع الذي أدّى اليه اتفاق أوسلو نرى بعض القيادات ما زالت تعمل على تشجيع وتسويق حلول وهمية تعتمد على تقديم التنازلات من الطرف الفلسطيني، مثل إتفاق "أيلون – نسيبة" أو "مبادرة جنيف" اللذان يفرّطان بحقّ العودة. ومع كشف الوجه الحقيقي – وللمرة الألف! – للسياسة الصهيونية العدوانية، ومع تأكيد الشعب الفلسطيني على تمسّكه بحقوقه الوطنية، فكلّنا أمل أن نستطيع تثبيت موقف جماهيرنا في الداخل أيضًا، ضمن الموقف الفلسطيني الموحّد والواضح، تمسّكًا بالثوابت الوطنية، وعلى رأسها حق العودة.
نرى كيف أن معسكر الغرب الإمبريالي، الذي يستر وجهه الاستعماري المكروه تحت تسمية "المجتمع الدولي" الفارغة من أيّ مضمون، يتعامل مع الخيار الديمقراطي للشعب الفلسطيني - خيارالعودة والحرية - باستعلاء وعدوانية وبفرض الحصار لتجويع الشعب الفلسطيني بهدف تركيعه أمام إملاءات الاحتلال. إننا لا نوافق تمامًا على برنامج حكومة الوحدة الفلسطينية، ولكننا نقّدر ونثمّن موقف كل الفصائل الوطنية لشعبنا الجبار، الذين فضّلوا الوحدة على الاقتتال وسدّوا الطريق أمام التدخلات الإمبريالية السافرة.
لقد وصل التحالف الدموي الإمبريالي الصهيوني طريقًا مسدودًا في فلسطين وفي لبنان وفي العراق، ولا يستطيع كسر إرادة الشعوب المناهضة للهيمنة وللاحتلال؛ فلا يجدّد شيئًا إلاّ زيادة عدوانيته، ولا يأمل إلاّ انتشار الفتنة والحرب الأهلية والدمار. ومع إفلاس النظام الإمبريالي الذي يعتمد على القهر والاستغلال والقمع والجهل والعنصرية، علينا عن نعمل ليس على إصلاح هذا النظام، بل على خلق البديل الفلسطيني والعربي والإنساني. والبديل لنظام الأبارتهايد العنصري والتطهير العرقي الصهيوني هو عودة اللاجئين وإقامة فلسطين حرّة علمانبة ديموقراطية على كامل التراب الفلسطيني. والبديل لتجزئة الوطن العربي وللفتنة الطائفية وللهيمنة الإمبريالية هو نهوض الأمّة العربية والتخلص من الهيمنة، والوحدة والحرية واستغلال كافة ثروات هذه الأمّة العظيمة وطاقاتها البشرية والطبيعية لمصلحة جماهيرنا الشعبية. والبديل للنظام الإمبريالي العالمي ولحكم الشركات عابرة القارات وتجّار الأسلحة والحروب ومدمّري البيئة بتلويث الجوّ والمياه والاحتباس الحراري، هو تحرير الشعوب واشتراكية القرن الواحد والعشرين، إشتراكية فنزويلا وفييتنام، لكي تتحرر الأرض ويتحرر الإنسان.
والفجر آت، آت، آت، ونحن الجيل الجديد، ونحن صناع المستقبل!

ليست هناك تعليقات: