الاثنين، ٢٦ نيسان ٢٠٠٤


الحقيقة من وراء
"الخدمة المدنية"


ماذا يعني أن أكون مواطنًا عربيًا في دولة يهودية؟
المواطنة هي أساس النظام الديموقراطي وجوهره، إذ لا يمكن تحقيق نظام ديموقراطي حقيقي من دون المواطنة. والمواطنة هي مكانة سياسية يتمع بها الفرد أمام الدولة، وتنطلق من تلك المكانة حقوقه السياسية وحقه في المشاركة في الحكم، لا من كونه منتميا إلى قومية ما، ويجب أن لا تكون مربوطة بالانتماء الديني أو العرقي. لم تعد الديموقراطية تتعلق بالترشيح والانتخاب وفصل السلطات فقط، بل أيضًا بمعيار المواطنة وتحقيقه في الدولة والنظام. فالحقوق في النظرية الديموقراطية ترتبط بالمواطنة وليس بالواجبات، بمعنى: حصولي على حقوقي غير متعلق بما أقدم من واجبات، بل بمجرد مكانتي كمواطن في دولة ما، وهذا عكس ما يحدث في إسرائيل.


ما هي علاقتنا كفلسطينيين مع الدولة؟
الأقلية هي جماعة محكومة تحمل جنسية الدولة التي تعيش فيها، وصفاتها الإثنية والدينية واللغوية تجعلها متميزة عن بقية الشعب الذي يعيش فيها.
وأقلية الوطن تعني الباقين من مجموعة سكانية ظلت تعيش في بلادها/ وطنها رغم قيام مجموعات مهاجرة باحتلاله وإقامة دولة جديدة على أنقاضها، وتحوّلها إلى أقلية عددية وسياسية، كما حصل معنا في نكبة 1948. ففي العام 1948 حلّت بالشعب الفلسطيني نكبة تاريخية وقومية أدّت إلى ضياع الوطن الفلسطيني وتهجير غالبية شعبنا إلى خارج وطنه. نحن بقينا هنا، في ضمن الدولة الاسرائيلية الجديدة، مواطنين، ولكن غير مكتملي الحقوق، لأننا عرب، ولأنّ هذه الدولة تعتبر نفسها في الممارسة والفكر دولة يهودية لا تحترم حقوقنا كأقلية وطن.

اليهود يخدمون في الجيش فلماذا لا أخدم أنا أيضًا؟
اليهود يخدمون في الجيش لأن هذا الجيش يتبع لدولة تقول إنها دولة اليهود، أي دولتهم، وبالتالي تسخر الدولة جميع مؤسساتها لخدمة الشعب اليهودي وتوسيع وجوده في البلاد، على حسابنا في معظم الحالات. الجيش مهمته حماية الدولة من أعدائها، أي العرب، ونحن لا نستطيع أخلاقيا وعمليًا أن نعتبر شعبنا العربي عدوًا لنا.

مشروع "الخدمة القومية" (שירות לאומי) أو "الخدمة المدنية" (שירות אזרחי) يعني ربط حقوقنا باستحقاقات تمليها الدولة علينا، وهذا غير معمول به في أية دولة ديمقراطية. ولا تنسوْا أننا غير مطالبين أصلاً بالخدمة العسكرية، فكيف يحرموننا من حقوق في مقابل واجبات غير موجودة؟!
طالما بقيت دولة إسرائيل "دولة يهودية" فإننا كمواطنين عرب فلسطينيين في هذه الدولة لن نحصّل حقوقنا الفردية والجمعيّة أبدًا. كل الطروحات التي تريد منا "إعطاء" الدولة كي "نأخذ" منها، هي طروحات عنصرية وغير ديمقراطية، ويجب ألا نقع في فخ منطقها الأعوج.

ما هي الخدمة المطروحة حسب الطروحات الإسرائيلية؟
نشرت اللجنة الوزارية لفحص توصيات "لجنة أور"، والتي تُسمّى "لجنة لبيد"، توصياتها المتعلقة بتقرير "لجنة أور"، حيث اقترحت اللجنة ثلاث توصيات بخصوص هذه الخدمة، ويتضح من خلالها عملية الربط الواضحة والمباشرة بين الخدمة المدنية والخدمة العسكرية، والربط بين الحقوق وأداء الخدمة. كما طرحت اللجنة فكرة توسيع الخدمة من المجتمع العربي إلى الشرطة والجيش وأطر أمنية أخرى. أي أنّ خدمة "المجتمع العربي" هي البداية فقط وهي ذريعة لزجّ العرب في البلاد في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وهذا ما يرفضه الجميع بلا استثناء. فتجربة المواطنين العرب الدروز مع الخدمة العسكرية لم تعد عليهم بأية فائدة، بل على العكس، أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية أصعب من أوضاع العرب، الذين لا يؤدون الخدمة العسكرية.

وفي أواخر شباط 2005 أنهت "لجنة عبري" تقريرها، حيث أوصت بإلزام العرب بالخدمة المدنية، أي أنّ اللجنة توصي بفرض الخدمة وليس بأدائها بالتطوع، كما أوصت بربطها بالحقوق، ومن لا يؤديها لا يتمتع بحقوق أساسية. وتقترح أيضًا حرمان مَن لا يخدم من حقوقه كمواطن، مع أنّ حقوق المواطن في الدول الديمقراطية غير مربوطة بتأديته للواجبات، فلماذا يُطلب منا نحن العرب ذلك؟؟

ماذا تقول الإحصائيات؟
مع مرور الوقت واتضاح ما تعنيه هذه المبادرة حقًا، بدأت شعبية هذه المبادرة بالانخفاض: حيث أشار 31% من العرب في البلاد في العام 2004 إلى أنه من المناسب أن يخدم عربي في الحرس المدني أو في الشرطة، وانخفضت هذه النسبة إلى 28% في العام 2005. كذلك الأمر حين هبطت نسبة المؤيدين للخدمة في الجيش من 28% في العام 2004، إلى 14% في العام 2005.

نحن شعب مِعطاء وكريم، فهل نحن بحاجة إلى مخططات حكومية؟
يجب علينا أن نشجع مبادرات تطوعية لإنشاء أسس لعمل جماهيري لخدمة بلداتنا وقرانا، من دون علاقة بمشروع الخدمة المقترح. فتاريخنا حافل بالأعمال التطوعية والمشاريع الخيرية، إضافةً إلى كوننا مجتمعًا يُحبّ الخير والعطاء، والنخوة العربية ما زالت جزءًا من حياتنا اليومية، ونحن لسنا بحاجة للجان وسياسيين إسرائيليين كي يعلمونا ما معنى أن نخدم بلدنا وأهلنا. كما أنّ فكرة الخدمة المدنية تعود وتبرز مرات كثيرة منذ قيام الدولة، وهي تفشل في النهاية لأنها غير منصفة وغير ديمقراطية.

بإمكان كل فرد فينا أن يبادر أو أن ينضم إلى مبادرات خيرية وتطوعية على نطاق البلدة أو القرية، وعلى النطاق الوطني الواسع للعرب الفلسطينيين في البلاد. هذه المبادرات من طرف الجيل الشاب وطلاب المدارس هي أهم بكثير من أية مبادرات أخرى، لأنها تأتي من إخلاص صادق وعميق للمجتمع الذي نحيا فيه، ويمكن أن تقود مع الوقت إلى تعويد الجيل الشاب على هذه المبادئ في حياتكم البالغة أيضًا، حين تستلمون أنتم بعد سنوات دفة قيادة هذا الشعب.

ماذا يمكنني أن أفعل؟
أولاً، نحن كأقلية قومية ووطنية في بلادنا يجب أن نسعى دومًا نحو الحفاظ على وجودنا ولغتنا وهويتنا، في ظل الهيمنة الثقافية والسياسية التي تسعى دولة إسرائيل لفرضها علينا، وهو ما نسميه بالأسرلة. ثانيًا: رفض مشروع هذه الخدمة، والعمل على مواجهته بكل الطرق الممكنة، أكان ذلك بالدعوة لرفضها بين الزملاء أم في البيت أم في ضمن الأطر الاجتماعية الموسعة، إلى جانب تتبع كل جديد في هذا الموضوع وملاحقة تطوّراته.

كما أنّ الوعي السياسي للجيل الشاب ولطلاب المدارس هو شرط أساسي لمقاومة مثل هذه المخططات لنزع خصوصيتنا الثقافية وانتمائنا القومي والوطني.

ليست هناك تعليقات: